تحميل مقدمة في تدريس التفكير pdf
تأليف محمود محمد غانم
إن قدرة الدماغ الإنساني على التعلم عظيمة، إذا ما توفرت الظروف المناسبة، ففي عصر طغيان التكنولوجيا الذي نعيش، يحلو للكثيرين من المختصين في علم النفس وغيرهم أن يطلقوا على الجهاز العصبي للإنسان اسم آلة وبالذات كمبيوتر، وتثار الكثير من الأسئلة حول العلاقة بين الكمبيوتر والدماغ البشري منها: هل الدماغ البشري أفضل من الحاسب الإلكتروني (الكمبيوتر)؟ أو هل هو أكثر تعقيداً؟ هل يمكن عمل آلة تفكر؟ ...الخ
لو كان الدماغ البشري عبارة عن كمبيوتر لكان باستطاعته أن يقوم بسلسلة من الأفعال المقررة مسبقاً بتتابع ثابت غير مرن، تماماً كما تفعل الطيور مثلاً عند بناء أعشاشها، فتقوم أنثى الطير بأعمال دقيقة متتابعة حتى تبني العش، ويظهر كتحفة فنية رائعة، وهذه الأعمال لم تتعلمها الأنثى من قبل، ولكنها أفعال عفوية ثابتة لا تتغير.
لكن هذا لا ينطبق على الدماغ البشري، فالإنسان لا يستطيع أن يبني شيئاً إلا إذا تعلم ذلك، فكل شيء عند الإنسان متعلم باستثناء بعض ردود الفعل البسيطة التي تولد معه، وإذا افترض أن دماغ الإنسان آلة فهو "آلة تتعلم" حيث تختص بالتعلم مناطق محددة بالدماغ، ليس هذا فحسب، بل إن المناطق المسؤولة عن التعلم في الدماغ الإنساني تنمو وتتطور وتصبح آلة التفكير هذه أكثر قدرة على التعلم، وهكذا فإن الدماغ ازداد على مر الزمن إلى ضعف أو ثلاثة أضعاف حجمه الأصلي، بل نما أيضاً في مناطق محددة، كالمناطق التي تتحكم بحركة اليد، وفي منطقة التحكم بالكلام، وفي مراكز التحكم بالبصيرة والتخطيط. ويعود هذا أيضاً إلى التفاعل بين العضو "اليد" مثلاً والمناطق المخصصة له بالدماغ، مما يمكن العضو من القيام بالعمل ببراعة، فالقرد مثلاً له إبهام كالإنسان يستطيع مقابلته مع بقية أصابع اليد غير أن الإنسان هو الوحيد الذي يستطيع مقابلة الإبهام مع السبابة بدقة، وهذه خاصية إنسانية فريدة لأن هناك منطقة خاصة في الدماغ البشري مخصصة للتحكم بالإبهام أكبر من تلك المخصصة للصدر والبطن معاً، ولا يعرف كم مضى من الوقت حتى أصبحت اليد في وضعها الحالي من التطور وقادرة على التأثير بالدماغ، بحيث يعيد الدماغ التعليمات إلى اليد ويحفزها على العمل الأمر الذي جعلها تتطور وتتطور معها المناطق المخصصة لها بالدماغ. كما يتميز التعلم الإنساني بوجود "فترات حرجة" يمر بها الإنسان أثناء نموه في المراحل المختلفة، يكون فيها الإنسان مستعداً لتعلم شيء ما، وإذا مضت هذه الفترة المناسبة يصبح التعلم صعباً أو مستحيلاً؛ لأن "الفترات الحرجة" هذه يبدو أنها تتزامن مع نمو خلايا معينة في الدماغ تساعد على تعلم ما، وإذا ما مرت "الفترة الحرجة" دون تعلم فإن نمو هذه الخلايا يتوقف أو يختفي. كما أن إهمال الإمكانات الإنسانية وعدم تنميتها يحد من قدرة هذه الآلة العظيمة (الدماغ) على التفكير، فالحضارات القديمة في مصر والهند والصين وحضارة أوروبا في العصور الوسطى كانت جامدة؛ لأنها أهملت الإمكانات الكامنة للأفراد الموهوبين وغيرهم من ذوي الخيال الواسع، فالابن كان يفعل ما يفعله أبوه، والأب كذلك يفعل ما كان يفعله جده. وهناك جزء آخر في الدماغ البشري غير موجود بتاتاً لدى الحيوان، وهو الجزء الخاص بالكلام، ولو لم تكن هناك أجزاء في الدماغ متخصصة للكلام وسليمة وكاملة لما استطاع الإنسان الكلام على الإطلاق، والنطق والكلام هو الحد الفاصل بين الذكاء الحيواني والإنساني، فالطفل الذي لا يتكلم يتصرف كشبيهات الإنسان (القردة)، وكلما تقدم الطفل في النطق تصبح الكلمات حاملة لأفكاره وحافظة لذكرياته، فيستطيع عندئذ أن يتصور ما لا يدركه مباشرة وتزداد طاقته العقلية ازدياداً مدهشاً، ومما يزيد من الطاقة العقلية عند الإنسان وجود أجزاء من الدماغ مثل الفصوص الدماغية الجبهية تؤدي مهمة خاصة شديدة الأهمية، فهي تمكن الإنسان من التفكير والتخطيط لأعمال مستقبلية ثم الانتظار لنيل الجائزة، وهي ميزة أساسية للدماغ البشري لا يوجد ما يقابلها إلا بقلة قليلة جداً من القردة العليا، وتجارب سكنر على الحيوان معروفة في هذا المجال، والتي من خلالها استنتج مبدأه المعروف "التعزيز" الذي يتوجب أن يتبع الاستجابة المقبولة فوراً حتى يقوم الحيوان بتكرارها، وفي التطور الإنساني نهتم بالتعليم المبكر اهتماماً فعلياً، ذلك التعليم الذي نتوقع أن نجني ثمره بعد مدة، وهذا ما يسمى في علم الاجتماع بتأجيل الارتضاء. بالإضافة إلى ذلك، حبا الله سبحانه وتعالى الشخصية الإنسانية مميزات تساعده على التعلم مثل: القامة المستقيمة، والبصر الثنائي، وعدم تخصص أعضائه كاليد والأصابع والأسنان كما عند الحيوان، فيد الحيوان مثلاً مكبلة كما أن تركيب فكي الإنسان تساعده على تحريك اللسان من أجل الكلام، وطول فترة الحضانة عند طفل الإنسان...إلخ ولا يخفى ما للميزات الجسمية هذه من فوائد للتعلم والتعليم وبناء الحضارة الإنسانية. ووفقاً للمحاولات الجدية الجارية من قبل العلماء لصنع كمبيوتر أو آلة تفكير، فهل يمكن صنعها بحيث تضاهي الدماغ البشري؟ أو هل يمكن صنع آلة تفكر كما يفكر الإنسان؟ أم المقصود هو صنع آلة تكون امتداداً للدماغ البشري تماماً كاختراع المجهر والتلسكوب امتداداً للعين، بحيث تكون آلة التفكير المقصودة أسرع من الإنسان في تنظيم وخزن واسترجاع المعلومات، وإجراء الحلول للمشاكل، وتكون قادرة على استعمال المعلومات التي تتوفر بشكل هائل في جميع المجالات الإنسانية نتيجة للتفجر المعرفي.
حاولت في هذا المؤلف تناول ما يساعد بقدر الإمكان، تدريس وتعليم التفكير بلغه سهله في تناول الجميع ففي البداية عرضنا مقدمة في تعليم التفكير، تضمنت العوامل التي تساعد الإنسان على التعلم وتعريف التفكير ومبررات تعليمه وأنماط التفكير الأكثر تداولا وأخطاء التفكير، تناولت الوحدة الثانية وجهة نظر النظريات السلوكية والمعرفية، والاتجاهات الإنسانية في تعليم التفكير، والوحدة الثالثة تناولنا التعليم من اجل التفكير وطرق تعليمة ودور المعلم في تطوير مهارة التفكير، والعلاقة بين التدريس والتفكير والتعلم والتفكير وتطرقنا إلى التدريس الاستراتيجي، وفي الوحدة الرابعة تعرضنا إلى التفكير ودورة عملياته، منطلقات في تعليم التفكير، وفي الوحدة الخامسة تناولنا نموذج التفكير الناقد وتعليمه وأمثلة على الاستراتيجيات المختلفة لتنميه مهارات التفكير الناقد، وفي الوحدة السادسة تناولنا التفكير الإبداعي مكوناته وطرق تدريسه, وفي الوحدة السابعة تناولنا التدريب على مهارات التفكير وخصائص المهارة الذهنية وخطوات تعليمها، وتناولنا مهارات التفكير الأساسية التي يتوجب إتقانها في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، وفي الوحدة الثامنة تناولنا تدريب الطلاب على مهارة حل المشكلة في التربية الإسلامية، وفي الوحدة التاسعة التدريب على التفكير في مبحث اللغة العربية، التدريب في النص القرائي وفي التعبير والتدريب في التعبير الكتابي، والوحدة الأخيرة تناولنا التفكير السابر ومراحل التدريب عليه، كما تناولنا الأسئلة السابرة ونماذج التدريب على التفكير السابر: نموذج هلدا تابا، نموذج الحوار السقراطي ونموذج بلوم وأخيرا حرصنا على تقديم أمثلة قابله للتطبيق في غرفه الصف على نظرية جلفورد.
تحميل مباشر
عدد التحميلات :
عدد التحميلات :